أرشيف الوسم: ناصر

ناصر و التنظيم السياسى المستقل

لعل أحدا لا يجادل فيما يحيط بصورة ناصر من جماهيرية بعد مضى سنوات طوال على رحيله فى مثل هذه الأيام. وقد اختلف الكثيرون حول تبرير تلك الجماهيرية إلى حد انزلاق البعض إلى اتهام الجماهير المحبة لعبدالناصر بالغفلة أوالسذاجة، وللحقيقة فإن تلك الجماهيرية لم تكن مثارا لتعجبى منذ رحيله المفاجئ؛ فليس مستغربا مثل ذلك الحنين الجارف إلى عصر يوزع أرض الأغنياء على فقراء الفلاحين، ويضمن عدالة توزيع الطلاب على الجامعات وفقا لمجموعهم و يوفر لكل خريج وظيفة تكفل له حياة لائقة إلى آخر ملامح الصورة الناصرية.

ما استوقف نظرى ومازلت أسعى لتفسيره هو تواضع الحجم الجماهيرى للأحزاب والرموز الناصرية المعاصرة مقارنة بحجم الجماهير الناصرية. ترى لماذا لم متابعة قراءة ناصر و التنظيم السياسى المستقل

ناصر و الإخوان

نشهد هذه الأيام صخبا نخبويا حول مسلسل تليفزيوني للكاتب المعروف وحيد حامد؛ ويدور الصخب حول حقيقة انتماء الزعيم جمال عبد الناصر لجماعة الإخوان المسلمين؛ وكيف أن المسلسل يعد محاولة لتزييف وعي المصريين بحقيقة جماعة الإخوان المسلمين .

ولعل تعبير “تزييف وعي المصرين” يكشف مدي هشاشة ثقة ذلك القطاع النخبوي في جماهير الشعب المصري وكيف أن تلك الجماهير التي كثيرا ما وصفتها تلك النخبة بالوعي والذكاء والثورية متابعة قراءة ناصر و الإخوان

المعرفة سر الهزيمة ومفتاح النصر

إن نسبة كبيرة من المصريين لم يعايشوا بحكم السن حروب أمتهم انتصارا وانكسارا. البعض منهم قرأ أو سمع أصداء بعيدة لما جرى عام 48، و 56، و 67، 73. و ليس من قرأ وسمع كمن عاش واكتوى بالهزيمة وفرح بالانتصار.

وإذا كان الجميع يؤكدون ضرورة استخلاص الدروس؛ فلعل استخلاصها من الهزائم أهم من استخلاصها من الانتصارات، وذلك لأن الانتصارات بحكم ما تحمله من ذكريات مشرقة سعيدة تكون أكثر جاذبية ومن ثم يكون الإقبال على التنقيب متابعة قراءة المعرفة سر الهزيمة ومفتاح النصر

ناصر والسادات و مسيرة وطن

لقد تمكن ناصر ببراعة من تكوين تنظيم سرى استمر لسنوات بعيدا عن اختراق السلطة؛ وذلك يعنى قدرته الفائقة على انتقاء من يمكن الوثوق بهم، وكان السادات ضمن الذين انتقاهم ناصر بالهيئة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار، ولا نتصور أن ناصر لم يكن يعرف ملابسات عودة السادات لصفوف الجيش و ما تردد عن التحاقه بالحرس الحديدي، وإلا لكنا نلصق بعبد الناصر صفات لا تليق.
و حين تعرض ناصر لنوبة قلبية فى سبتمبر سنة 1969 وضع السادات على رأس لجنة تتولى تسيير شؤون الدولة فى غيابه متابعة قراءة ناصر والسادات و مسيرة وطن

من ناصر و طوغاى إلى السيسى وبوتسالى

تاريخ العلاقات المصرية التركية تاريخ بالغ التعقيد. تتداخل فى وعينا صورة التركى العثمانلى الذى حكمنا طويلا وعانينا من حكمه كثيرا؛ وتزاحمها لدى بعضنا صورة الخليفة العثمانى رأس الخلافة العثمانية الإسلامية التى دقت جيوشها أبواب أوروبا؛ وتحتفظ ذاكرتنا أيضا برأس الأسرة العلوية الذى يراه البعض مؤسسا لمصر الحديثة، فى حين يراه البعض فى النهاية حاكما أجنبيا لم يتخلص من جذوره التركية.
وتحل هذا الشهر ذكرى ثورة يوليو 1952وقائدها عبدالناصر؛ ويشهد هذا الشهر أيضا عام 2016 تقلصات شديدة تنتاب الجمهورية التركية؛ وتتناقل أجهزة الإعلام تصريحات منسوبة للرئيس التركى ومدير المخابرات التركية تتحدث عن عظمة التاريخ العثماني؛ وتكرر مآخذهم على مصر وما جرى ويجرى فيها. ولا يستطيع المرء أن يتحاشى العودة لتاريخ العلاقة بين ثورة يوليو والجمهورية التركية؛ وتقفز إلى الذاكرة واقعة حدثت قبيل مضى عام واحد على ثورة يوليو 1952. متابعة قراءة من ناصر و طوغاى إلى السيسى وبوتسالى

عبدالناصر والسؤال القائم

حلت هذا الشهر ذكرى ثورة ٢٣ يوليو؛ ويحمل هذا الشهر ذكرى شخصية ترتبط بملمح من ملامح حقبة عبدالناصر؛ ففى ٢٥ يوليو ١٩٦٣ خرجت من المعتقل ومعسكر التعذيب لأواجه الحياة من جديد بعد ما يقرب من أربع سنوات. كان الاعتقال مختلفا آنذاك. لم نكن قد سمعنا عن مؤسسات حقوق الإنسان ولا عن ضرورة العرض على النيابة إلى آخره. كانت التفرقة واضحة صارمة آنذاك بين «المسجون السياسى» الذى صدر بحقه حكم قضائى ويخضع للائحة السجون التى تسمح بالزيارات واللجوء للقضاء تظلما، و«المعتقل» المحروم من كافة تلك الحقوق الذى لم يكن فى مقدور أسرته معرفة مكان احتجازه؛ واتضح ذلك الفارق حين جمعنا معتقل الواحات فكنا نعتمد فى أخبارنا ومؤونتنا على أصدقائنا من المسجونين الذين صدرت بشأنهم أحكام. وكلما هلت ذكرى يوليو وجدت نفسى أواجه سؤالا هاما: كيف يمكن تقييم «عصر عبدالناصر»؟، ذلك العصر الذى مازالت جماهير غفيرة من المصريين تحمل صور عبدالناصر كلما ضاقت بهم الحياة.
من الناحية المنهجية والوطنية أيضا ينبغى الحذر من أن يندفع المرء تحت وطأة معاناته الشخصية وإدانته لسلبيات حقبة تاريخية طالته آلامها إلى تجريد تلك الحقبة من أى إيجابية، أو تلويث تلك الإيجابيات؛ ومن ناحية أخرى لا ينبغى أن يندفع المرء فى سبيله للدفاع عن إيجابيات مرحلة تاريخية إلى حد ألا يرى أخطاءها وأن يبرر خطاياها؛ فمثل ذلك الموقف لا يعتبر خطأ منهجيا فحسب بل هو أيضا خطيئة سياسية ووطنية؛ حيث يؤدى عمليا إلى تكريس تقديس رموز بشرية تاريخية، ومن ثم ينزلق إلى تبرير الخطايا بحيث يقر فى الذهن أن تلك الخطايا لم يكن ممكنا تلافيها وتحقيق المنجزات بدونها، ومن ثم فلا بأس من تكرار نفس الخطايا إذا ما صاحبتها منجزات.
إن الدفاع عن الناصرية –فيما أري- لا يعنى تبرير انتهاك الحريات وتعذيب المعتقلين إلى حد القتل، ومن ناحية أخرى فإن معارضة الناصرية لا تعنى إدانة الانحياز للفقراء وبناء السد العالى إلى آخره.المرء غير ملزم بالدفاع عن تاريخ جماعته التى ينتمى إليها وتنقية صفحتها مهما شهد ذلك التاريخ من مظالم. ليس علينا لكى ندافع مثلا عن تاريخنا الفرعونى ونفخر به أن يقتصر حديثنا على ما يحفل به التاريخ الفرعونى من منجزات علمية وحضارية باهرة، دون أن نشير إلى تأليه أجدادنا لحكامهم. ولا يفرض علينا انتماؤنا للتاريخ الإسلامى أو المسيحى أن نركز على روحانية الدين وسمو القيم التى نادت بها الأديان، وأن نطمس على تلك الدماء التى سالت فى معارك بين بشر يحملون رايات دينية ويزعمون أو حتى يؤمنون بأن قتالهم إنما هو دفاع عن التفسير الصحيح للعقيدة؟.. بعبارة أخرى ليس ثمة ما يبرر تنزيه بشر عن الخطأ بل عن الخطيئة. لقد كانت تلك الحقبة الناصرية حافلة بالإنجازات والانكسارات. إنها الحقبة التى شهدت قرارات الإصلاح الزراعى وتأميم قناة السويس ثم تأميم الشركات الكبرى وبناء السد العالى، وهى أيضا الحقبة التى كرست سلطة الحزب الواحد، وهى ذات الحقبة التى شهدت للمرة الأولى فى تاريخ مصر تكريسا رسميا لفصل الذكور عن الإناث فى التعليم الجامعى بإنشاء كليات جامعة الأزهر وكلية البنات، وهى الحقبة التى شهدت قيام الوحدة المصرية السورية كما شهدت انهيارها، وهى الحقبة التى شهدت أعنف حملات اعتقالات وتعذيب للمنتمين لكافة التنظيمات السياسية المعارضة، وهى الحقبة التى شهدت واحدة من المرات النادرة التى خرج فيها الجيش المصرى ليقاتل وتسيل دماؤه خارج حدوده الوطنية فى اليمن، حيث فقدنا ما يزيد على ١٥ ألف شهيد، وهى الحقبة التى شهدت أيضا اختيار عبدالناصر لأنور السادات نائبا له بعد هزيمة ١٩٦٧ التى سالت فيها على أرض سيناء دماء ما يقرب من ١٠ آلاف شهيد. إنها حقبة شهدت ما هو إيجابى وما هو سلبى وما هو مثير للجدل؛ وكانت الحقبة بكل ما فيها تحمل اسم عبدالناصر وتحت مسئوليته.
ترى ماذا بقى من عبدالناصر بعد كل تلك السنوات يلهب حماس الجماهير ويجعلها ترفع صورته وتهتف باسمه وتردد أغانى عصره فى كل مناسبة احتجاجية؟. لقد مضى عبدالناصر وانتهى عصره، ولم يعد ثمة إغراء بمنصب ولا تخويف بعصا، بل إن بعضا ممن يهتفون باسمه ويرفعون رايته حتى اليوم أصابهم من عنت السلطة الناصرية الكثير، وكثير منهم لم يعاصروه. ولعل الاقتراب من هتافات المحتفلين بعبدالناصر يكشف بيسر أنهم يرون فيه رمزا للعدل الاجتماعى ولطهارة اليد وللاستقلال الوطنى وللانحياز للفقراء بحيث تخفت لديهم ملامح الديكتاتور المتسلط.
ويبقى السؤال قائما: ترى ألم يكن ممكنا بناء السد العالى وتأميم قناة السويس والسعى نحو العدل الاجتماعى دون قهر أو تعذيب؟، وهل استمرار توهج صورة عبدالناصر يعنى أننا ما زلنا على استعداد لتقديم حريتنا قربانا لهدف نراه الأسمى، كالعدل الاجتماعى أو التحرر الوطنى أو مكافحة الإرهاب؟، وهل تلك المقايضة حتمية أى أننا لا نستطيع أن نحقق عدلا اجتماعيا وتحررا وطنيا ومقاومة فعالة للإرهاب، مع الحفاظ على القدر الضرورى من الحرية وكرامة الإنسان؟.
أظنه حلما ولكنى أعتقده مازال ممكنا؛ مواجهتنا الشرسة والضرورية للإرهاب، وهى مواجهة موقوتة مهما طالت، تفرض علينا تأجيل الحلم دون نسيانه مع استمرار التذكير به من أجل المستقبل.

 

المصدر: http://www.albawabhnews.com/2039490