فى خضم ما تعانيه بلادنا من رصاصات الإرهاب؛ يبدو للبعض أن سبيلا من سبل العلاج هو التقدم العلمي؛ ويصل الأمر بهم إلى طرح تطوير مناهج التدريس فى مجال العلوم «المنضبطة» فى مقابل ما يرونه من جمود فى مناهج التدريس فى المؤسسات الدينية وما يرونه من «نسبية» تميز العلوم الإنسانية؛ محاولين إدراج سعيهم ضمن منظومة مواجهة الفكر الإرهابي.
ويكون المقصود بالعلم لديهم تخصصات محددة كالفيزياء والكيمياء وكذلك الطب والهندسة فى مقابل تخصصات أخرى يخرجونها من دائرة العلم كالاجتماع وعلم النفس والفلسفة وبقية ما يعرف بالعلوم الإنسانية. ويستندون فى دعواهم إلى أننا نستورد من الغرب منتجات تلك العلوم من الإبرة إلى الصاروخ، ولذلك رسخ لدينا أن إتقان دراسة تلك المقررات العلمية كفيل بدفعنا للحاق بركب الدول المتقدمة ومن ثم «تجفيف منابع الإرهاب».
ولكن يغيب عن تلك الرؤية أن التقدم لا يمكن تجزئته بمعنى متابعة قراءة مخاطر احتكار العلم →
مازلت أرى فى بلادنا نخبة مستنيرة تسعى مخلصة نحو مستقبل أفضل؛ حالمة بتنوير وفقا لنموذج أوروبى كان بمثابة الرافعة للتقدم؛ وتدفعها تخوفاتها من هاجس الدولة الدينية إلى التشكك والنفور من استدعاء التأويلات الدينية الوسطية الأقرب إلى المزاج الشعبى الجماهيرى المصري؛ ولعلها بذلك تتجاهل أن أفكار جاليليو التى حاربتها الكنيسة الكاثوليكية فى البداية لم تستقر فى وجدان الجماهير الأوروبية لتصنع تقدمها إلا بعد قبول الكنيسة لقاعدة تأويل النص الدينى التى وضع أساسها ابن رشد. متابعة قراءة التنوير بالنكهة المصرية →
أصبحت عبارة «العلاقة بالآخر» تتصدر خطاباتنا اليومية بكثافة غير مسبوقة، مصحوبة بتلك الدعوة المتكررة لتعديل خطابنا الدينى الإسلامى والمسيحى ليصبح أكثر تسامحا وتقبلا للآخر؛ وتعديل خطابنا الفكرى والسياسى لنصبح أكثر تقبلا للخطابات المخالفة لتوجهاتنا. وغنى عن البيان أن أحدا لا تغيب عنه تلك التفرقة الضرورية الواجبة بين «الخطاب الديني» و«العقيدة الدينية»؛ ومن ثم فلا مجال لدعوة لتعديل العقائد و لا حتى لحوار بين العقائد والأديان؛ فتعبيرات مثل «الحوار» و«الخطاب» لا تخرج عن كونها أنماطا من السلوك البشرى أو التفاعل بين البشر و من ثم فإنها قابلة للتعديل والتطوير والتغيير بما يوافق الزمان والمكان والمصالح، دون مساس بالعقائد التى تتصف بالثبات المطلق عند معتنقيها، والتى لا تفصح عن نفسها إلا من خلال متابعة قراءة تفعيل القانون ضمان للتسامح والاستقرار →
أستاذ علم النفس السياسي – كلية الآداب – جامعة عين شمس