◄ علماء النفس والاجتماع: الإرهاب أكد تلاحم المصريين ووحدة الوطن
تحقيق ــ سماح منصور ــ هبة جمال الدين
الرصاص قد يخترق الأجساد، ولكنه أبدا لم ولن يخترق نسيج الوطن الواحد، فحادث كنيسة مارمينا الإرهاربى الأخير يجسد ملحمة جديدة يرسمها المصريون فى مشهد حرص فيه كل من المسلم والمسيحى على حماية الآخر من غدر الإرهاب.. وهى رسالة لأيدى الغدر والعدوان «نحن واحد ولا يمكن أن تفرقوا بيننا مهما فعلتم ومهما فعلت نيرانكم الغادرة»…
لا نبالغ إذا قلنا إن المواجهة الأمنية للإرهاب لم تعد تكفى وحدها للقضاء عليه، إذ ينبغى أن تكون المحاور على عدة أصعدة، من بينها المواجهة الفكرية، ومراجعة هؤلاء الإرهابيين، وإقناعهم بالتخلى عن أفكار القتل والتدمير والتخريب التى ينتهجونها، فضلا عن تلاحم الشعب ووقوفه صفا واحدا فى وجه الإرهاب، جنبا إلى جنب مع أجهزة الدولة المختلفة.
وقعت للمرة الأولى على تعبير «الأهداف الهيكلية» خلال متابعتى ما نشر عن قضية جاسوسية شهيرة. كانت قواتنا المسلحة تقيم هياكل تشبه الطائرات ليختلط الأمر على العدو فيوجه نيرانه إليها بعيدا عن الطائرات الحقيقية؛ وكانت مهمة الجاسوس أن يبعث إلى العدو بخرائط تبين ما هو حقيقي، وما هو هيكلى من تلك الأهداف.
تخصص العديد من قنواتنا الإعلامية قدرا محسوبا من بثها المكتوب والمسموع والمرئى لإدانة مستحقة للإرهاب والإرهابيين؛ والدعوة إلى القضاء عليه وعليهم؛
ثم تخصص قدرا أكبر -خاصة فيما يعرف بالبرامج الحوارية- لإدانة واجبة للفساد والمطالبة بتصد حاسم للفاسدين؛ وتضيف إلى ذلك تسليط الضوء على وقائع خلل الأداء الحكومى وما يترتب عليه من تدهور الأحوال المعيشية للمواطنين واتساع رقعة الفقراء والمظلومين.
يتميز العنف السياسى كما سبق أن أشرنا بخاصية أنه عنف رمزى بمعنى أنه حين يستهدف أفرادا فإنه يستهدفهم باعتبارهم رموزا؛ ولتلك الخاصية عدة نتائج:
(ا) مادام العنف السياسى موجها أساسًا إلى الفرد بصفته الرمزيّة، أى باعتباره ممثلا لجماعة ، فإن انتفاء هذه الصفة يخفف من درجة العنف الموجه إليه ، وإن لم يكن يعنى بالضرورة انتهاء التهديد تمامًا. ففى بعض الأحيان يوجه العنف إلى رموز بعد أن فقدت مواقعها، وانتفت بالتالى صفتها التمثيلية ، بحيث يبدو الأمر للوهلة الأولى كما لو كان انتقامًا شخصيًا فحسب. ولكن نظرة متعمقة قد توضح أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق. فالعنف فى هذه الحالة أيضًا إنما يكون بمثابة رسالة إلى الآخرين مؤداها متابعة قراءة سمات ممارس العنف السياسى→
للعنف تصنيفات تفوق الحصر، وهى تتوقف فى النهاية على الهدف العملى للقائم بالتصنيف، وعلى التعريف الإجرائى الذى يلتزم به.
ولعل تعبير «التعريف الإجرائي» الذى تكاد تنفرد به العلوم الإنسانية يجسد مشكلة ارتباط تعريف الظاهرة موضع البحث بهوية وأهداف القائم بالتعريف.
ونظرا لتلك الإشكالية المنهجية، فقد تعددت تصنيفات ممارسات العنف بحيث تشمل مدى واسعا من التصرفات ابتداء من نظرة غاضبة أو لفظ جارح أو حتى تجاهل مهين و لو بالصمت، إلى جميع أشكال إيذاء الذات متابعة قراءة عن أى عنف نتحدث→
نردد كثيرا تعبير ضرورة اجتثاث جذور الإرهاب وكيف أن المواجهة الأمنية وحدها لا تكفي؛ وينصرف الذهن عادة إلى تجفيف المنابع الفكرية للإرهاب.
وقد نمضى خطوة أبعد من مجرد التصدى للأفكار وتحديث الخطاب الدينى للحديث عن ضرورة تنمية المجتمع والقضاء على الفقر والعشوائيات وتطوير التعليم ومحو الأمية إلى آخر قائمة طويلة من العلل الاجتماعية التى لا جدال فى ضرورة التصدى لها ولكن السؤال يظل قائما: ترى لو تحقق كل ذلك رغم صعوبته سوف نشهد نهاية للفكر الإرهابي؟ متابعة قراءة وهم القضاء على الجذور الفكرية للإرهاب→
يختلف الفعل الإرهابى من المنظور السلوكى النفسى عن أفعال عديدة قد تماثله فى ظاهر السلوك، بل وقد تفوقه فى فداحة النتائج،
كما فى حالات العنف الوحشى الذى يقدم على ارتكابه الجنود النظاميون خلال الحروب أو غيرها من المواجهات العسكرية، ففى مثل تلك الحالات يقوم الجنود بما يقومون به كجزء من مهام وظيفتهم كمقاتلين محترفين لا يملكون الامتناع عن أداء تلك المهام دون التعرض للعقاب.
تعريفات الإرهاب عديدة تفوق الحصر، تتباين بتباين تخصصات أصحابها، ومواقعهم، بل ونياتهم أيضا؛
ولسنا بصدد الخوض فى عرض أو تفنيد تلك التعريفات. و لنتفق على تعريف محدد للسلوك الإرهابى يأخذ فى اعتباره تعدد التعريفات المطروحة، كما يضع فى اعتباره أيضا هوية الكاتب كمتخصص فى علم النفس السياسي:
«السلوك الإرهابى سلوكٌ اختياري، مخطط؛ يلحق أضرارا بالمدنيين، ويتضمن مخاطرة بحياة من يقوم به، و يكون إطاره التفسيرى من وجهة نظر صاحبه إطارا فكريا أو سياسيا أو عقائديا».
ترى ما الذى يحكم انتشار أفكار بعينها لتتحول إلى حركة إرهابية تمارس العنف محليا أو إقليميا أو عالميا؛
فى حين يقتصر انتشار بعض تلك الأفكار بحيث لا يتجاوز نطاق جماعة بشرية بعينها؟، ولماذا تظل بعض الأفكار داخل حدود فكر صاحبها بحيث تبزغ و تنتهى ربما دون أن ينطق بها؟. ترى هل تظل ملامح الفكرة إذا ما قيض لها الانتشار ثابتة على ما هى عليه منذ نشأتها الأولي، أم أن ما يجرى على البشر من دورات للنمو يجرى على الأفكار كذلك فتنتقل من طور الطفولة إلى الفتوة فالكهولة فالشيخوخة فالذبول فالاندثار؟ متابعة قراءة مسار تحول الأفكار النظرية إلى أفعال إرهابية→
أستاذ علم النفس السياسي – كلية الآداب – جامعة عين شمس