يتميز العنف السياسى كما سبق أن أشرنا بخاصية أنه عنف رمزى بمعنى أنه حين يستهدف أفرادا فإنه يستهدفهم باعتبارهم رموزا؛ ولتلك الخاصية عدة نتائج:
(ا) مادام العنف السياسى موجها أساسًا إلى الفرد بصفته الرمزيّة، أى باعتباره ممثلا لجماعة ، فإن انتفاء هذه الصفة يخفف من درجة العنف الموجه إليه ، وإن لم يكن يعنى بالضرورة انتهاء التهديد تمامًا. ففى بعض الأحيان يوجه العنف إلى رموز بعد أن فقدت مواقعها، وانتفت بالتالى صفتها التمثيلية ، بحيث يبدو الأمر للوهلة الأولى كما لو كان انتقامًا شخصيًا فحسب. ولكن نظرة متعمقة قد توضح أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق. فالعنف فى هذه الحالة أيضًا إنما يكون بمثابة رسالة إلى الآخرين مؤداها «لا تقيموا حساباتكم على أن التنحّى فى التوقيت المناسب يمكن أن يخرجكم من دائرة الانتقام». إنه – أيضًا – عنفٌ بمثابة رسالة موجهة إلى رموز قائمة.
(ب) يتفاوت الثقل الرمزيّ للفرد، وفقًا لموقعه داخل الجماعة. فرئيس الجماعة له ثقلٌ رمزيّ يفوق نظيره بالنسبة للأتباع، والمرءوسين، ولا غرو، فهو رمزٌ للجماعة برُمّتها. وطالما أن العنف السياسيّ يستهدف الأفراد بصفاتهم التمثيليّة ، فلنا أن نتوقع تناسب العنف السياسى الموجه للفرد تناسبًا طرديّا مع تزايد ثقله التمثيليّ.
(ج) العنف السياسيّ – كما قدمنا – عنف لا شخصى، بل انه عنفٌ موجه إلى جماعة معينة. وبالتالى فإنه لا يقتصر على الممثلين الرسميين للجماعة المستهدفة ، بل يوجه أيضًا إلى جمهور تلك الجماعة بدرجة أو بأخرى.
والتعرف على الممثلين الرسميين للجماعة المستهدفة قد لا يمثل مشكلة كبيرة، فهم يحرصون من جانبهم على إبراز مظاهر تميّزهم، وذلك لأسبابٍ عديدة، لعل منها أن يتمكن جمهورهم من التعرّف عليهم. أمّا بالنسبة للتعرف على جمهور تلك الجماعة لتمييزهم عن جمهور جماعة النحن ، فإنّه يقتضى تكريس ما يمكن أن نطلق عليه تعبير «العلامات الظاهرة للانتماء».
ونقصد بذلك التعبير تلك الخصائص المرئيّة أو المسموعة التى يمكن من خلالها تبيّن انتماء الفرد إلى جماعة معينة دون غيرها.
وتتعدد تلك العلامات وتتباين. فمنها ما يتعلق بالخصائص البدنيّة الموروث منها أو المصطنع، ومنها ما يتعلق باللهجة وطريقة النطق، ومنها ما يتعلق بالملابس، ومنها ما يتعلق بالعادات؛ وغنى عن البيان أن تلك الخصائص تتدرج من حيث مدى استطاعة الفرد التخلى عنها وتغييرها. ففى حين يستحيل تعديل الخصائص البدنية الموروثة، إلا بتدخلات جراحية فردية باهظة التكاليف، فإنه من اليسير تمامًا تغيير نمط الملابس، أو تغيير طريقة تصفيف الشعر، أو حتى طريقة المشى…. إلى آخر أساليب التنكّر المعروفة.
الخاصية الثانية التى تميز العنف السياسيّ، أنه عنفٌ يغلب عليه الطابع الجماعيّ. ولا يعنى ذلك أن التنفيذ الفعليّ لوقائع العنف السياسيّ يكون جماعيًا دائمًا، وإن كان الأمر كذلك بالفعل فى أغلب الأحيان. بل ان بعض أحداث العنف السياسيّ تفيض بالعديد من ألوان البطولات الفرديّة الفذة. ولكن المقصود هو أنّ من يمارس العنف السياسيّ، حتى لو كان ينفّذ العمل وحده، فإنه إنما يفعل ذلك باعتباره ممثلا لجماعته، معبّرًا عن توجهاتها ، مستهديًا بقيمها. بل انه يندر، فى هذا المجال أن نجد عملًا فرديا خالصًا لم يسبقه تخطيط جماعيّ، سواء كان ذلك، استطلاعا، أو تدريبًا، أو تمويلًا، أو تمويهًا…. الخ
الخاصية الثالثة تتعلق برؤية ممارسات للعنف السياسى للعالم. ولعلنا نستطيع أن نوجز أهم ملامح تلك الرؤية فيما يلى :
1- إنّ كل من يختلف معنا إمّا عميلٌ مأجور، أو ساذج جاهل.
2 – الحوار مع الآخر لم يعد مجديًا فهو لا يفهم إلّا لغة القوّة .
3 – الآخر هو الخارج على الأصول الصحيحة، ونحن الملتزمون دومًا بتلك الأصول 0
4 – الآخر لا يمثّل إلّا أقليّة، أمّا الغالبيّة، فإنها تتعاطف معنا بكل تأكيد0
5 – مهما يقل الآخر، أو حتى يفعل، لكى يوهمنا بأنّه قد تغير، فإنه يظل فى جوهره كما هو.
6 – الآخر يريد لنا الاغتراب عن واقعنا وتاريخنا 0
7 – لا ينبغى أن نفرّق فى مواجهتنا لهم بين «القادة» و«الأتباع»، فكلهم أعداء.
8 – ينبغى أن ننقّى صفوفنا من أولئك المتخاذلين الذين يدعون إلى حوارٍ مع أعدائنا. إنّهم إمّا سُذّجٌ مضلّلون، أو عملاءٌ مندسّون، أو ضعافٌ ترعبهم المواجهة الشاملة.
خلاصة القول أن الإرهابى الأصولى المتشدد ممارس العنف ليس نبتا شيطانيا أو كائنا مستوردا؛ بل هو نتاج ثقافة يقينية تقدس العنف وتبحث له عن مبررات، وهى ثقافة شاركنا جميعا أفرادا ومؤسسات فى ترسيخها ولعلنا مازلنا.