كتب/خالد عبدالغني
من أجلنا يا سيدي لا من أجلك أنت لا تتحرج من إعطائنا الفرصة للتعبير عن فضلك علي أجيال علم النفس التي تعلمت على أيديكم وأنا واحد منهم مهما قلت أو فعلت فلن أقترب من نور وبهاء فعلكم معي ذلك الفعل الذي هو السبب الذي يمهد لي هذا التواصل الآن ولولاه لكنت موظف أو حتى مهني أسعى وراء لقمة العيش فإنكم وهبتموني حياة الفكر والقلم ولا أقل من أصدع بما فعلتم معي إننا – كل أجيال علم النفس – ممتنة لمعاليكم وما آسى عليه حقا هو أني لم أكن ممن تربطهم علاقة قوية ممتدة مع معاليكم ولكني أشعر أنها الآن قوية قوة عشرات السنين – أسف على الاطالة وعلى ضياع وقتكم الغالي معي – ولكنها متعة البقاء في رحاب البناء العظيم بلا ألقاب فهو تجاوزها جميعا – قدري حفني علم الاعلام –.
كانت هذه مقدمة واحدة من رسالي إليه أثناء إعداد الحوار الأكبر والأشمل معه في مايو عام 2017 ، وكانت بيننا عدة مراسلات في عام 2008 تكللت بأن نشرت بجوار سيادته مقالا في مجلة “تحديات ثقافية” إذ ينشر سيادته عن سيادته حول رحلته الفكرية مع فرويد والتحليل النفسي والصراع العربي الاسرئيلي /الصهيوني … ، . وأنشر رؤيتي حول الهوية المصرية الخالصة والتي أعجبته يومها ، وعندما نشرت دراستي “هوية مصر الثقافية الانتماء طريق المواجهة 2018” أعجبته أيضا وللحق ففيهما جانب كبير من رؤاه السياسية والنفسية واستفدت كثيرا من أعماله في هذا الجانب في هاتين الدراستين وكم كنت أتمنى أن يطالع الجزء الثالث بعنوان “المشاركة طريق الإنتماء”.
وكان اللقاء الأول لي مع العلامة أد.قدري حفني حين كان رئيس لجنة الحكم والمناقشة لرسالتي لدرجة الماجستير في نوفمبر 1998 قسم علم النفس باداب بنها . ويومها كان ودودا ومناقشا جادا وحازما أنصفني من ظلم بشع كدت أتعرض له حين أصر احد المناقشين منحي تقدير جيد وأصر سعادته على منحي تقدير عام ممتاز واقترح أن يصيغ قرار اللجنة بأغلبية الأراء وليس بإجماعها ، بهذا حفظ لهذا المناقش حقه في تخفيض التقدير وأعطاني ما رآه حقا لي، وأنهي بحكمته المشكلة كما قال لي :”أنصفتك لأنك كنت تستحق ” . وقص علي نفس مشكلته حين اعترضت إحدى الأستاذات بمجلس الجامعة على منحه درجة الدكتوراه في موضوع الشخصية الاسرائيلية ولكن حكمة رئيس الجامعة حينها حسمت الموقف لصالحه.
وكان اللقاء الثاني لي معه في 4-2-2017 وبينهما جرت المياة سريعا في نهر أيامي بما فيها من أفراح وشجون . ما إن دخلت القاعة ورأيته جالسا – في إحدى ندوات معرض القاهرة الدولي للكتاب – متأملا ما يدور من أحاديث ، وإذ بالاستاذة الدكتورة أمال كمال أستاذ علم النفس بآداب المنوفية ورئيس تحرير مجلة علم النفس تهمس في أذنه قائلة هاهو خالد قد جاء ، فهمت ذلك بالطبع ولم أسمعه بأذني وجلست بين الحضور حتي انتهت فعاليات الندوة وبعدها أشارت إليّ الدكتورة أمال بأن أصعد السلم للسلام عليه ، فصعدت تلك الدرجات القليلة حتي كنت بجواره ، فالتفت نحوي وقام واقفا للسلام- أي تواضع هذا!؟ – فقلت لقد بعثت لحضرتك أمس قبلة الامتنان والشكر والآن فلتسمح لي بأن أضعها على يديكم ورأسكم ، ومشينا خطوات حتى السيارة التي يستقلها مودعا إياي وهامسا “ليتك تنعش ذاكرتي يابني بتلك الواقعة التي تحفظها لي وفي الوقت نفسه سقطت من ذاكرتي إذ اعتبرتها أمرا عاديا ” وبعد أن حكيت الواقعة قلت له : “كيف تصور المجتمع العلمي أنك استاذ لعلم النفس السياسي ونسوا ترجماتكم المبكرة في الشخصية والأمراض النفسية ومؤلفاتكم في علم النفس الاجتماعي ورسالتكم في علم النفس الصناعي وكتابتكم عن أعلام علم النفس وبخاصة فرويد ومراجعاتكم لتلك الكتابات في السنوات الأخيرة إنكم موسوعو التكوين والعطاء .
وكنت أفكر في الكتابة عنه وتحدد الموعد للزيارة في منزله والتقينا في مكتبته وأهداني كل ما كتبه وكل ما كتب عنه من أجل هذا الكتاب المقرر له ان يكون عنه وفعلا أجريت الحوار في كل جنبات حياته الفكرة والعلمية والسياسية ، وبعد عدة مداولات واتصالات حدث ما لم أكن أحلم به إذ كنت استشير اد. أمال كمال في امر الحوار ولما كانت معجبة به نصحتني بأن ينشر على نطاق واسع ليقرأه العامة والخاصة ،،،، وهنا بزغت فكرة نشر الحوار في مجلة علم النفس التي ترأس تحريرها بجانب دوريات أخرى كالتحليل النفسي ، وهنا ظهرت مخاوف عدة من أن العلامة قدرى حفني يعمل مستشارا لمجلة علم النفس وبالطبع سيرفض هذا النشر ،، وكتبت لسيادته أنه :”حدث تطور لم يكن في حسباني فقد تابعت أد.آمال كمال ما أكتبه عن معاليكم واعجبت به بل واعتبرتني محظوظ – وهذا حق طبعا – في أن أجري مع معاليكم هذا الحوار الذي فتح الباب لعمل ملف عن سعادتكم، وعرضت سيادتها قائلة : إن الأجدر بملف عن معاليكم أن يكون مكانه الطبيعي هو مجلة علم النفس وأن الحوار مهما اتسع أو كبر فمكانه الأفضل هو المجلة لأجل أن يطلع عليه الخاصة والعامة ويعيش في التاريخ أسوة بالحوارات القيمة بالمجلة ،، وقالت أيضا لي ضمنيا لو تحب تشرف على الملف مفيش مانع – تقصدني – فقلت لها انها مسئولية كبيرة وتحتاج إعداد قوي واتصالات كثيرة ولا قوة لي بذلك كله، وأنا عندي الحوار الممتد مع معاليكم وعندي ايضا مقال فقالت لا مانع ،، وللحق فأي جريدة سواء النداء أوغيرها لن ترقى لمجلة علم النفس … فهل انا اخطات ارجو السماح لو حدث ما يعكر صفو معاليكم ..وانا بانتظار ارشاداتكم للتحرك حسب ما تأمرني به معاليكم”.
فكتب سيادته يقول :”أشكر لكم تقديركم و لكني أصارحكم أنني أستشعر حرجا شديدا في نشر هذا الملف في مجلة أشرف بأن أكون مستشارا لها. يهمني رأيكم في تقدير هذا الحرج. ولكما كل التقدير والمودة.
وهي هي نبوءته تتحقق فخلد للرفيق الأعلى قبل يوم واحد من صدور الحوار معه في العدد 116 يناير – مارس 2018 من مجلة علم النفس الصادرة عن الهئة المصرية العامة للكتاب أما الملف كاملا فالأجدر به أن تتولى اد. أمال كمال رئيسة التحرير الحديث عن ظروفه وما صادفها من مشاق وأحداث وعقبات ، ولها العزاء فهي أكثرنا خسارة وأشدنا ألما ولوعة