حكاية كتاب عن إسرائيل

تلقيت أخيرا رسالة من الصديق الفلسطينى الأستاذ الدكتور شريف كناعنة أستاذ «الانثربولوجيا النفسية» أو ما يطلق عليه «الثقافة والشخصية» يقول فيها «سنة 1983أهديتنى كتابك المعنون «الشخصية الإسرائيلية» ويظهر أنى وضعته بين كتبى المبعثرة فى مكتبى عدة آلاف منها ونسيته حتى وقع بين يدى بالصدفة. قضيت آخر أسبوعين أقرا ذلك الكتاب الجميل. وقد قرأت فى حياتى مئات الكتب فى هذا الحقل ولكن شعرت أن كتابك هو أفضل ما قرأت فى الحقل مطلقاً. فتساءلت بذهنى إذا كنت قد عدت إلى هذا الموضوع ونشرت كتباً أو مقالات أخرى. وعلى الرغم من مرور فترة طويلة فان الكتاب يستحق أن يعاد نشره فى طبعة جديدة للاستفادة منه ولاستثارة الهمم لمتابعة البحث فى هذا الموضوع. حبذا لو قام بعض طلبة الدكتوراه لديكم بمتابعة نفس الموضوع على الدراسات التى صدرت منذ 1973 ويمكن أن يكون موضوعاً لرسالتين واحدة لفترة 1973-1995 والثانية لفترة 1995- الوقت الحاضر. كتابك جميل ومهم جدّاً ولا يجوز أن يوضع على الرّف وينسى؛ إنه يستحق المتابعة من قبل طلبة الدكتوراه ومن قبل الأكاديميين فى العالم العربى وفى باقى بلدان العالم، وحبذا لو جرى عقد مؤتمر أكاديمى حول نفس الموضوع. آسف إذا كنت قد أطلت الحديث ولكن الموضوع مشوق ومهم وكتابك هو المفتاح ولا يجوز إهماله أو نسيانه».

الكتاب متاح مجانا على شبكة الإنترنت، ومحاولة تحديث مادته التى بدأ تجميعها إثر هزيمة يونيو 67، وفقا لما جرى على مكونات إسرائيل نفسيا واجتماعيا من تغيرات جذرية يتطلب جهدا كبيرا؛ ولكن كلمات صديقى أثارت شجوني؛ وتذكرت أن هذا الكتاب الذى قامت جامعة عين شمس بطباعته هو الأطروحة التى حصلت بها على درجة الدكتوراه مطلع عام 1974؛ وأذكر أن الصديق السفير تحسين بشير رحمه الله قدم نسخة من الكتاب إلى الرئيس السادات الذى بعث إلى برسالة يشير فيها إلى «حاجة الوطن لمثل تلك النوعية من البحوث»؛ وقد حرصت آنذاك على إرسال صورة من ذلك الخطاب إلى رؤساء أقسام علم النفس آملا شحذ الهمم نحو مزيد من الدراسات لصراعنا مع إسرائيل.

ومع تسارع الأحداث و التطورات فى مجريات الصراع، أحسست أن حاجتنا لمعرفة إسرائيل قد تزايدت، وتضاعف لدى ذلك الإحساس بعد مشاركتى فى مؤتمر مدريد للسلام فى نوفمبر 1991 حيث اتضح لى خلال العديد من المناقشات المكثفة مع مجموعات متباينة من المثقفين المصريين والعرب، أن غالبيتنا على اختلاف وتعارض توجهاتنا السياسية نفتقد الحد الأدنى الضرورى من المعرفة الموضوعية بمجريات الصراع.

ورحت أبحث عن نقطة بداية لوضع خريطة فكرية لما نعرفه عن الموضوع، وأخذت أطرق الأبواب بحثا عن مؤسسة مصرية تتبنى تلك الفكرة. واستغرق الأمر سنوات حتى عام 2002 حين تبنى الفكرة مركز الدراسات الإنسانية والمستقبليات بكلية الآداب جامعة عين شمس، وقمت بالإشراف على التنفيذ الذى تولاه الأستاذ الدكتور محمد خليل أستاذ علم النفس وكيل الكلية آنذاك مع تنازل كلينا عن المكافآت المقررة لنا وإضافتها لميزانية البحث. وبدأنا بداية متواضعة بالاقتصار على رصد رسائل الماجستير والدكتوراة التى قدمت للجامعات المصرية منذ إنشائها والمتعلقة بجوانب الصراع العربى الإسرائيلي، بحيث تكون بمنزلة البداية القابلة للتوسع شيئا فشيئا، فضلا عن ضرورة أنها ينبغى أن تمتد زمنيا لاستيعاب ما يستجد من إنتاج فكري.

وكشفت البيانات أن نسبة الرسائل المتعلقة بالصراع عامة نسبة ضئيلة، وأن تلك المتعلقة بالأبعاد النفسية لذلك الصراع فى جميع الجامعات المصرية لم تتعد حتى عام 2005 اثنتى عشرة رسالة أجريت جميعا بعد عام 1973 وشرفت بالإشراف على غالبيتها.

لقد ألقيت كلمة فى احتفالية تدشين ذلك الإنجاز فى 30 يونيو 2005 قلت فى بدايتها «فى ظهيرة السادس من أكتوبر 1973، و مع الاستماع لبيان العبور الأول، استعدت عبارة شهيرة تقول: صاح ملاح من أعلى السارية: أرض فى الأفق، وذلك حين رأى أرضا تلوح من بعيد. لقد بدت لنا أخيرا أرض فى الأفق. أرض كان يحجبها حائط بارليف «وأنهيت كلمتى بعبارة» ترى هل يمكن أن يتحول ذلك الإنجاز المتواضع إلى قاعدة معلومات حية تداوم النمو أفقيا ورأسيا؟ ترى هل يمكن له أن يتسع أفقيا ليشمل الكتب والمقالات والتقارير العلمية؟ ترى هل نتجاوز حدود الحلم لو تطلعنا لامتداد ذلك الإنجاز ليشمل العالم العربي؟ ترى هل هناك من يقدم على تبنى هذا الحلم؟ أو لنقل الأمل؟ هل سنسمع من جديد فى وقت ما صوت ملاحنا يطلق صيحته المتفائلة: أرض فى الأفق؟ ها نحن نرهف السمع»

وتجمد الحلم، وظللت أرهف السمع ومازلت، لتصلنى رسالة الصديق شريف كناعنة لتثير شجونى ولأكتشف أن فهم إسرائيل علميا يكاد يغيب تماما عن الخريطة الفكرية لعلماء النفس المصريين؛ ما دفعنى لأن أتساءل عن تفسير لنفورهم بل وتنفيرهم من المضى فى دراسة إسرائيل خاصة بعد أن أصبحت المراجع أكثر وأيسر وأصبح الموضوع فيما يبدو لى أكثر أهمية وخطورة. ترى هل من تفسير؟

خلاصة القول

إن معرفة الآخر عدوا أو صديقا ضرورة حياة وإنك لكى تقاطع جيدا أو تطبع جيدا أو تقاتل جيدا لا بد من إتقان معرفة الآخر.

ألا هل بلغت؟

المصدر: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/612230.aspx

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *