الأضواء الحمراء من المنيا… عود على بدء

تتوالى علينا هذه الأيام أنباء ما أطلق عليه فتنة قرية «الكرم» بمحافظة المنيا، والتى ترجع إلى انتشار شائعة بوجود علاقة بين شاب مسيحى وسيدة مسلمة،
ولسنا بصدد الخوض فى تفاصيل ما حدث فالأمر فيما نعلم بين يدى جهات التحقيق. ما يؤلمنى بل ويستفزنى بشكل شخصي، أن ما جرى كان متوقعا. توقعته وسجلت ذلك صراحة فى مقال بتاريخ 10 مارس 2016 بعنوان «أضواء حمراء من بنى مزار إلى محاكمة الأفكار» أشرت فيه من موقع التخصص فى علم النفس السياسى إلى أننا مكلفون علميا ووطنيا بإطلاق الضوء الأحمر محذرين من المخاطر حتى إذا لم تكن قد تفاقمت بعد.

وكتبت بوضوح أننى من موقعى المتواضع كمتخصص مصرى فى علم النفس السياسي؛ ألمح نذرا لخطرين يمسان الأعمدة الرئيسية للنظام السياسى الذى قام بعد 30 يونيو 2013:

الخطر الأول: خطر تجدد أحداث الفتنة الطائفية

أشرت تحديدا إلى محافظة المنيا وأن ثمة ومضات حمراء تنبعث منها تعيد إلى ذاكرتنا أحداث الفتنة الطائفية التى كدنا نبرأ من جراحها؛ خاصة بعد تصدر فضيلة شيخ الأزهر وقداسة البابا مشهد 30 يونيو. كانت مدينة بنى مزار بالمنيا تشهد آنذاك موقفا مثيرا للريبة حيث تراجعت وزارة التربية والتعليم عن قرارها بترقية مواطنة مصرية من منصب وكيل واحدة من المدارس لتصبح مديرة لمدرسة أخري؛ وتم ذلك التراجع استجابة لرفض الطلاب لذلك التعيين نظرا لديانة هذه المدرسة. لم تحرق بيوت آنذاك ولم تسل دماء ولكنى لمحت إشارة الخطر ونبهت لها، مشيرا إلى أن ما حدث هو رسالة موجهة تحديدا لأصحاب مشهد 30 يونيو وفى مقدمتهم الرئيس عبدالفتاح السيسي، ومضمون الرسالة واضح لا يحتاج إلى بيان: «مخطئ من يظن أن شيئا قد تغير، ها نحن كما نحن قاعدون متربصون متعصبون فانظروا ما أنتم فاعلين»

الخطر الثاني: تنشيط ما يعرف بقانون «ازدراء الأديان»

وأشرت آنذاك أنه من اللافت للنظر أن الوميض الأحمر ينبعث أيضا من قرية الناصرية بمركز بنى مزار شمال محافظة المنيا التى شهدت اعتداءات طائفية على ممتلكات أقباط ومحاولة لاقتحام كنيسة القرية فى 7 أبريل 2015 ولعدة أيام متتالية إثر تسرب مقطع تمثيلى ساخر استغرق نصف دقيقة قام بتصويره أحد المدرسين خلال رحلة طلابية عام 2014 يتهكم فيه أربعة تلاميذ مسيحيين على بعض ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية فى بلاد العراق والشام وتضمنت تلك الثوانى مشهدا للطلاب يؤدون فيه طقوس الصلاة الإسلامية، وصدر الحكم بالحبس خمس سنوات للتلاميذ الثلاثة، وإيداع الرابع مؤسسة عقابية لصغر السن؛ وتم تهجير المدرس صاحب الواقعة إلى خارج القرية؛ وذلك باعتبار أن الواقعة تقع تحت طائلة قانون ازدراء للأديان.

وفى نفس التوقيت تقريبا وبنفس التهمة يصدر الحكم بسجن الباحث الإسلامى إسلام بحيرى وكذلك الكاتبة فاطمة ناعوت. الرسالة هذه المرة أيضا موجهة إلى رموز مشهد 30 يونيو: الرئيس السيسى وفضيلة شيخ الأزهر وقداسة البابا تواضروس وبالإضافة إليهم مجلس النواب الذى انبثق من دستور ثورة يونيو الذى يضمن بوضوح قاطع حرية التعبير ويدين بنفس الوضوح القاطع أى تمييز بين المواطنين بسبب عقائدهم، ونص الرسالة متكرر: «مخطئ من يظن أن شيئا قد تغير، ها نحن كما نحن قاعدون متربصون متعصبون فانظروا ما أنتم فاعلين».

كان ذلك جوهر ما كتبت آنذاك، وتساءلت وقتها ترى هل تلقت الأطراف المعنية تلك الرسائل الموجهة إليهم؟ هل لمحوا الوميض الأحمر الذى تبعث به؟.

لقد اختتمت رسالتى التحذيرية آنذاك بأن أبرأت ذمتى أمام المولى عز وجل مشهدا إياه أننى أبلغت.

وكم كنت أتمنى لو كنت مبالغا أو مخطئا فى توقعاتي؛ ولكن لم تمض سوى أسابيع قليلة وإذا بالنار تشتعل من جديد وتكون أكثر توهجا وتسيل الدماء وتحرق المنازل وتنتهك الحرمات وتتكرر رسالة «مخطئ من يظن أن شيئا قد تغير، ها نحن كما نحن قاعدون متربصون متعصبون فانظروا ما أنتم فاعلين».

إن لأصحاب تلك الرسالة كل الحق فى تكرار رسالتهم؛ فالأحداث الجارية على الأرض تطمئنهم وتصب فى مصلحتهم، والمواجهات الدامية مع الإرهاب فى سيناء لم تترجم بعد إلى مواجهات فكرية حقيقية مع جذور ذلك الإرهاب.

كانت رسالتهم المتكررة واضحة وضوحا كاشفا، فهل من إجابة أو استجابة من أصحاب سلطة 30 يونيو الموجهة إليهم الرسالة؟ أم ترانا عائدون مرة أخرى لارتكاب جريمة إغلاق الجرح الملوث دون تنظيفه مهما كان التنظيف مؤلما؟.

اللهم لا حول ولا قوة إلا بالله وله الأمر من قبل ومن بعد.

 

المصدر: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/520062.aspx

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *