الإسرائيليون و التطبيع

لعلنا لا نثير غضب أحد إذا ما أشرنا إلى أن المتأمل لأحوال الوطن العربى الذى يمزقه العنف والإرهاب؛ يجب أن يتوقف
أمام حقيقة لافتة: تكاد دولة إسرائيل أن تكون الدولة الوحيدة التى لم يلمسها أو يقترب منها مقاتلو داعش أو القاعدة أو الحوثيين وغيرهم ممن لا يفوتهم وهم يذبحون ضحاياهم مكبرين مهللين أن يستنزلوا اللعنات على إسرائيل واليهود والولايات المتحدة الأمريكية، ولعل جماهير عالمنا العربى تكاد تنفرد بالتعبير عن رفضها للاحتلال الصهيونى بحرق العلم الإسرائيلى ودهسه بالأقدام؛ وهى الظاهرة التى لا تعرفها إسرائيل مكتفية بمحاولة دهس الفلسطينيين بالأقدام؛ و المضى شوطا بعد شوط فى تقدمها العلمى لمنافسة الدول الغربية العظمى فى هذا المضمار, فى ظل هذا المناخ، أدانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فى بيان لها «اللقاءات التطبيعية التى تجريها القيادة الفلسطينية مع منظمات الحركة الصهيونية والتى كان آخرها استقبال الرئيس عباس وفدا صهيونىا من المكسيك، وطالبت الجبهة الرئيس محمود عباس بالوقف الفورى للقاءات التطبيعية والتى وصفتها بأنها «تلحق ضررا بالغا بالقضية الفلسطينية وتُشكّل استهتارا بمشاعر شعبنا، وبقرارات مقاطعة الاحتلال التى تحظى بالإجماع الشعبى والوطنى والعربى والدولى». كما حذرت الجبهة من «الدور الخطير الذى يقوم به محمد المدنى رئيس ما يُسمّى «لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلى» والذى «يتفاخر وبشكل علنى بلقاءاته واتصالاته مع الكيان الصهيوني، وافراد الحركة الصهيونية فى العالم» وبالمقابل أصدرت اللجنة المركزية لحركة «فتح» بيانا يتهم الجبهة الشعبية بـــ «التساوق مع الاحتلال» مؤكدة تمسكها بالتواصل مع كل القوى اليهودية الإسرائيلية والعالمية فى أمريكا وأوروبا وأمريكا اللاتينية الراغبة فى التوصل لحل ينهى الصراع كما عبرت «عن استنكارها للمنحى الذى اتخذه البيان المشار اليه حين تعرض للأخ محمد المدنى رئيس لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلى بسبب النشاطات التى قام وما زال يقوم بها من أجل (دق الخزان من الداخل) كما ورد فى رواية القلم الثائر غسان كنفاني».

ولقد كتبت فى مقال سابق عن الصديق المناضل الفلسطينى محمد المدنى ابن عرب 48 وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح والمسئول عن «لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلى»؛ ولعلنا لو تأملنا مجرد عنوان تلك اللجنة الذى يحمل تعبير التواصل وهو بشكل ما يعتبر نقيضا واضحا لتعبير المقاطعة؛ ويؤكد العنوان هوية اللجنة باستخدام تعبير المجتمع الإسرائيلى وليس الكيان الصهيونى الاستيطاني؛ وكان المتوقع والأمر كذلك أن تفتح القيادة الإسرائيلية ذراعيها مرحبة بأنشطة تلك اللجنة، ولكن ما حدث -كما أشرنا فى مقالنا السابق- كان عكس ذلك تماما؛ إلى حد أن وزير الدفاع الإسرائيلى قرر «مقاطعة» أنشطة تلك اللجنة التطبيعية بل وتهديد المسئول عنها بالقتل بتهمة تهديد الأمن القومى الإسرائيلى!!!.

وحين طرحت على بعض الأصدقاء من صفوة النخبة الوطنية المصرية تساؤلا حول توصيفهم لنشاط تلك اللجنة استوقفنى تعبير بالغ الدلالة «إننا لا نستطيع وصف ذلك النشاط بالتطبيع ولكنا أيضا لا نستطيع أن نعتبره نضالا» وأظن أن تلك هى بداية الإشكالية؛ وهو ما دعانى إلى تخصيص هذا المقال لعرض مقتطفات من الوثيقة الرئيسية التى بعث بها إلى الصديق المناضل محمد المدنى والتى تعتبر منهاجا لنشاط هذه اللجنة: تؤكد الوثيقة أن من مهام اللجنة «شرح المكاسب التى يمكن أن تحققها إسرائيل وشعبها فى حال التوصل إلى اتفاق سلام دائم وعادل مع الشعب الفلسطيني، لأن السلام فى نهاية المطاف مصلحة إستراتيجية متبادلة للطرفين» و «تعريف المجتمع الإسرائيلى بمكونات المجتمع الفلسطينى وتنوعه والمواقف المختلفة فيه كمجتمع طبيعى فيه تعددية وفيه المعتدلون والمتشددون وفيه العلمانيون والمتدينون، تماما كما هو الحال داخل المجتمع الإسرائيلي، مع التركيز على أن غالبية الشعب الفلسطينى تتبنى البرنامج الوطنى الذى أقرته دورة المجلس الوطنى الفلسطينى فى الجزائر عام 1988 والذى تبنى حل الدولتين أساسا لإنهاء الصراع»، و السعى إلى «إقناع الرأى العام الإسرائيلى وحشد أكبر تأييد لمبدأ حل الدولتين من خلال تشكيل مجموعات للتأثير على صناع القرار فى إسرائيل وحثهم على تبنى سياسة جادة للتوصل إلى اتفاق مع القيادة الفلسطينية» ومتابعة المتغيرات التى تحدث فى إسرائيل ودراستها بشكل عميق وحثيث لتقديم تصورات ودراسات وتقدير موقف إلى القيادة الفلسطينية فى كل ما يتعلق بالشأن الإسرائيلى», ولعل أهم ما جاء بالوثيقة من وجهة نظرى أنها لم تسع كالعادة لاقتصار نشاطها على من اصطلحنا على تسميتهم باليسار الإسرائيلى أو أنصار السلام من الإسرائيليين؛ بل حددت الوثيقة الجمهور المستهدف بالحوار على أنه «نشطاء الأحزاب السياسية المختلفة والتركيز بصورة خاصة على الذين لا يؤيدون عملية السلام من أحزاب اليمين والوسط؛ و قطاع الاقتصاديين ورجال الإعمال، وقطاع المهاجرين الروس والأوروبيين والأمريكيين الذين يحتلون موقعاً مهماً فى التأثير على القطاع الاقتصادى والعملية الانتخابية، و اليهود من أصل شرقى أو عربى أو إفريقي، و قطاعات الشباب على اختلاف مشاربهم السياسية والاجتماعية، بمن فيهم رموز الحركات الاحتجاجية الاجتماعية وشبيبة الأحزاب، و قطاع النساء بمختلف انتماءاتهن السياسية وبمشاركة فعالة من جانب النساء الفلسطينيات، و الإعلاميين والمثقفين والفنانين والمحامين والأطباء وغيرهم من ذوى الاختصاصات المتنوعة، بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدنى داخل إسرائيل، والمؤسسات والجمعيات اليهودية فى أوروبا وأمريكا ذوى التأثير فى مجتمعاتهم»

ختاما: ترى هل أصبح واضحا حقيقة موقف حكام إسرائيل من قضيتى التطبيع والمقاطعة؟

 

المصدر: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/552265.aspx

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *