ورد في حديث السيد الرئيس مع رؤساء تحرير الصحف القومية عبارة أراها بالغة الأهمية حيث قال «لا توجد دولة أو مواطنون يقدرون على العيش بلا أمل» وهو قول صحيح تماما علميا وتاريخيا. لم يكن ممكنا أن نتجاوز هزيمة بحجم هزيمة 67 لو لم نحتفظ بالأمل الذي تحول إلي انتصار 73؛ وكانت أقصي أماني العدو أن نفقد هذا الأمل ونسلم بدوام الهزيمة والانكسار.
لقد تحققت هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية وجيشها قادر علي القتال ممتلكا أسلحته ومعداته؛ ولكن هول قنبلة هيروشيما التي لم تدمر الجيش الياباني أفقد الشعب الياباني آنذاك الأمل في استمرار القتال.
احتفاظ شعب بالأمل لم يعد في عالم اليوم مجرد عبارة رومانسية أو دعوة حماسية أو قصيدة شعر أو هتاف في مظاهرة؛ بل أصبح بث الأمل وتنميته يمثل فرعا أساسيا من فروع علم النفس السياسي يحمل اسم الحرب النفسية بشقيها الإيجابي والسلبي؛ حيث تسعي الدولة أو الجماعة لمقاومة ما يطلق عليه علميا «ثقافة الهزيمة» التي يبثها العدو؛ وتسعي من ناحية أخري لنشر «ثقافة اليقين في الانتصار» بين أبناء شعبها. إنها حرب بكل ما تعنيه الكلمة. حرب لها أصولها العلمية وخطواتها المدروسة وخططها الإستراتيجية في الهجوم والتراجع إلي آخره. حرب تعرف احتمالات الهزيمة والانتصار.
وتزداد مهمة الاحتفاظ بالأمل صعوبة في ضوء مواجهة الدولة المصرية في نفس الوقت تحديات ثلاث: حيث تجد أن عليها اتخاذ إجراءات «صعبة ولكنها حتمية لإنقاذ الوضع الاقتصادي»، ومن الطبيعي والمتوقع أن يخلق كل ذلك قدرا من التذمر والإحباط لدي المواطنين؛ وتواجه الدولة في نفس الوقت استمرارا لعمليات إرهابية تجد مددا بالسلاح والمعدات عبر الحدود، و لقد أشار السيد الرئيس وبحق إلي أن «جزءا كبيرا من استقرار الحالة الأمنية يأتى من وعى المصريين وليس فقط من جهد مؤسسات الدولة»؛ ويتمثل التحدي الثالث في تعقد العلاقات بدول الإقليم والعالم و ملامح بداية تشكل تحالفات جديدة وذبول تحالفات قديمة. وغني عن البيان أن تلك التحديات الثلاثة متشابكة بحيث يصعب الفصل بينها؛ فإذا ما أضفنا إلي ذلك أن تلك التحديات تتحرك متناغمة تحت مظلة حرب نفسية شرسة تبين صعوبة ما نواجهه إذا تمسكنا بالحفاظ علي الأمل.
لقد تطرق الحوار مع السيد الرئيس إلي دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث أشار سيادته إلي أنه «أحيانا يتصدى بعض الكتاب لموضوعات دون معلومات، أو أفق، أو تصور، ومن ثم تكون رؤيتهم أقل اتساعا من رؤية الدولة لأن الصورة متكاملة لديها» ولعل هذه العبارة تحديدا تضع أيدينا علي الخطوة العلمية والعملية الأولي في بناء الأمل وهي إتاحة المعلومات الضرورية اللازمة لكي يصبح لدي المواطنين جميعا وليس الإعلاميين فقط الصورة الكاملة للوضع الراهن بسلبياته وإيجابياته دون تهوين أو تهويل. إنها الخطوة الأولي لتدعيم الثقة «فيمن يتخذ القرار» وفقا لتعبير السيد الرئيس. الشفافية ضرورة للأمل. ثمة قانون من قوانين السلوك الثابتة في تراث علم النفس مؤداه أن الموقف الغامض يثير من القلق و التوتر ما تتفاوت قدرات الأفراد في تحمله،و أن تلك المواقف الغامضة بما تحمله من تحد وإحباط للجماعة وما تخلقه من مناخ موات لانتشار الشائعات؛ قد يدفع بالجماهير إلي انفجارات عنيفة مدمرة قد لا تكون محسوبة مخططة في البداية، و لكنها سرعان ما تجد عادة من يركب الموجة.إن الجماهير دائما في حاجة لمن يقدم لها تفسيرا مقنعا شفافا لما تعاني منه، و أن حالة الاحتقان والتوتر الناجمة عن التجاهل والتكبر قد تستمر طويلا، و لكنها قد تنفجر فجأة إثر شرارة غير متوقعة،لتتحول إلي عنف تلقائي غير مخطط،قد يجد في غيبة تنظيمات سياسية وطنية قوية، من يدفع به إلي تدمير كل شيء. هكذا يقول العلم فضلا عن أحداث التاريخ.
الخطوة العلمية والعملية الثانية ولعلها الأهم في بناء الأمل تتمثل في الترجمة الميدانية الدقيقة لعبارة السيد الرئيس حيث قال «… إنني على يقين من أن كل المصريين يحبون بلادهم، وأن كلا منهم يعبر عن هذا الحب بطريقته». إن السعي لتوحيد الصفوف يعني التسليم ابتداء بوطنية الجميع حتى يثبتوا العكس بأفعالهم، وليس بتأويل أقوالهم والتفتيش في نواياهم والنبش قي تاريخهم. كثير ممن قيدت حريتهم الإجراءات الأمنية محبون لمصر بطريقتهم طالما لم يثبت يقينا عمالتهم ماديا لعدو خارجي؛ و لعله من المناسب في هذا الوقت العصيب إعادة النظر بشأنهم دون توقع لتبنيهم وجهة نظر نراها الوحيدة المعبرة عن الوطنية. الخطر المدمر في هذا الصدد يتمثل في اختلاط الحدود بين الخطأ والخطيئة.
الخطأ الفكري خطأ في قراءة الواقع أو تفسيره، و لما كان التفسير في النهاية وجهة نظر فإنه يحتمل الخطأ و الصواب، ولعلنا لا نبالغ إذا اعتبرنا أن هذا النوع من الخطأ يعد بالفعل سنة من سنن الكون، وأن الخلاف في الرأي حيث يتبادل الطرفان أو الأطراف تخطئة و جهات نظر بعضهم البعض من خلال الحوار، يعد دليلا علي حيوية المجتمع وبشيرا بتقدمه خاصة في مجالات السياسة والدين والعلم، حيث يحترم كل الآخر وينصت إلي رأيه و يجادله ، فإذا ما تبين لأحد الأطراف خطأ استدلاله لم يجد حرجا في الاعتذار، و إذا أصر كل علي رأيه لم يفقد أيهما احترامه للآخر. إن عقاب أصحاب خطيئة الفعل أمر طبيعي و صحي، و لكن دون أن يتوقف الحوار الفكري قط، وبكل شروطه بما فيها شرط الاحترام، و بحيث يقتصر العقاب علي من أجرم وأن يشمل الحوار الجميع بمن فيهم أولئك الذين أجرموا. ولعلنا لا نبالغ إذا ما قلنا إن الترجمة الصحيحة لعبارة السيد الرئيس تعني أن من حقنا جميعا أن نحاول و أن نخطئ؛ و من واجبنا أن نتمسك بذلك الحق دون خوف أو وجل، و أن نميز بين العقاب العقلاني والانتقام الانفعالي متمسكين بإصرار بمبدأ عقلانية العقاب حيث تنصرف الإدانة إلي تجريم الفعل دون أن تنسحب إلي استئصال الفاعل، و أيضا دون أن تنكمش بحيث يصبح كل شيء مبررا.