الصراع بين البشر سنة طبيعية من سنن الحياة، أما الأزمة فإنها مرحلة انتقالية من مراحل الصراع -قد تطول أو تقصر- تنجم عن تصاعد أو تصعيد المواجهة بين أطراف الصراع بحيث تؤدي إلى أحد المسارات التالية :
(أ) إما أن تؤدي إلى المواجهة المباشرة بين أطراف الصراع حيث يستخدم كل طرف ما لديه من قوى اقتصادية وبشرية وعسكرية وعلمية وإعلامية … إلى آخره، وذلك وفقا لطبيعة موضوع الصراع، وينتهي الأمر بإعادة تعديل موازين القوى بين الأطراف المتصارعة .
(ب) وإما أن تؤدي إلى تجنب المواجهة المباشرة ومن ثم التوصل إلى حلول وسطى قد تعني تأجيل المواجهة أو تعديل موازين القوى بين الأطراف المتصارعة تعديلا مؤقتا .ويعتبر مفهوم الأزمة مفهوما فضفاضا يحمل شحنة انفعالية شديدة مما يجعل استخداماته تغطي ما لا حصر له من المواقف المتباينة ؟.
أزمة صحية ــ أزمة انفعالية ــ أزمة نفسية ــ أزمة أسرية ــ أزمة عاطفية ــ أزمة اقتصادية ــ أزمة .المواصلات ــ أزمة الطاقة- أزمة الحدود.. إلى آخره
ترى هل يمكن وضع كل ذلك الشتات في سلة واحدة ؟ وهل يختلف أسلوب «إدارة الأزمة» اختلافاً جوهريا باختلاف نوعية تلك الأزمة ؟ أم أن ثمة قواعد أساسية للإدارة تتفق بأكثر من اختلافها بتباين نوعيات الأزمات؟ قد تتباين وتختلف الأزمات من حيث موضوعها؛ ومن حيث تاريخها ومراحل تطورها، ومن ثم من حيث التخصصات اللازمة لإدارتها عسكريا أو اقتصاديا أو دبلوماسيا أو اجتماعيا أو طبيا إلي آخره، ولكن تبقي القوانين النفسية لإدارة الأزمات علي تنوعها ذات ملامح علمية ثابتة. يعد الوعي بأن ثمة أزمة شرطا ضروريا لإمكانية الحديث عن زإدارة الأزمةس؛ والوعي بالأزمة يكون عادة مقصوراً – في البداية علي الأقل ــ على ما يطلق عليه «مجموعة إدارة الأزمات» وهي قلة أو صفوة أو مجموعة صغيرة داخل كل طرف تتولى محاولة استطلاع نذر الأزمات، وتحديد أطرافها الظاهرة والكامنة، وصياغة ملامح إدارتها بالاحتواء أو بالتصعيد أو بالتجميد وفقا لرؤية تلك المجموعة الصغيرة لمصلحة الجماعة الأكبر التي تنتمي إليها .
ولعل أهم إسهامات علم النفس بالنسبة لأداء مجموعة إدارة الأزمة يتمثل في طرح بدائل الإجابة عن تساؤلات مثل : ترى هل تهدف إدارة الأزمة بالضرورة إلى تحاشيها أو تهدئتها أو تجاوزها؟ أليس ثمة ظروف تقتضي إدارة الأزمة بتصعيدها أو حتى بافتعالها؟ أليس ثمة ظروف قد تقتضي إدارة الأزمة بتجميدها بمعني الحفاظ على مستوى التوتر كما هو دون زيادة أو نقصان؟ ترى هل من الأنسب محاولة احتواء الأزمة والتعامل معها بعيداً عن الجماهير تحاشيا للإثارة الانفعالية ؟ وإذا كان ذلك مطلوبا فهل هو ممكن عمليا ؟ وكيف ؟ وإلي متى؟ وهل أطراف الصراع الأخرى يمكن أن تلتزم بذلك التكتم ؟ وإذا لم تلتزم فكيف يمكن معالجة الموقف؟
قد يكون من الأنسب إعلام الجماهير بمقدمات وتطورات الأزمة. ترى ما هو التصور الأمثل لحجم وتوقيت ومضمون الرسالة الإعلامية الموجهة للجمهور في هذا الصدد؟ وما الذي يستهدفه إعلام الجماهير بالأزمة؟ هل هو رفع درجة الاستعداد الجماهيري لتحمل آلام المواجهة؟ أم الضغط بالتحركات الجماهيرية على الطرف الآخر؟ أم مجرد مواجهة الطرح الإعلامي المقابل وضمان الحد من تأثيره على الجماهير؟أم أن الرسالة موجهة أساسا لجمهور الطرف الآخر بهدف التأثير على معنوياته وتحويله إلى قوة ضاغطة على قيادته ؟ أم أنها موجهة إلى الرأي العام العالمي؟ وإلي أي حد يمكن توجيه رسالة واحدة إلى تلك الجماهير المتباينة المشارب؟ وإلى أي حد يمكن القبول بتباين الرسائل الموجهة من مصدر واحد لجماهير متباينة في ظل عالم يكاد يتحول إلى قرية إعلامية كبيرة؟.
وغني عن البيان أن اتخاذ القرار المناسب يقتضي الاعتماد على معرفة علمية متخصصة بطبيعة التكوين النفسي للجماهير المعنية، واتجاهات الرأي العام ، وملامح الشخصية القومية …. إلى آخره .
إن مجموعة إدارة الأزمات تتكون عادة – كما سبق أن أشرنا – من عدد صغير نسبيا من الأفراد . وثمة فرع كامل من فروع علم النفس الاجتماعي يختص أساسا بطبيعة التفاعل داخل الجماعات الصغيرة ، وما يؤثر في حركتها واتخاذها لقراراتها . ولعل أهم ما يعنينا فى هذا الصدد يتمثل فيما يلي :
– انتماء الجماعة الصغيرة إلى الصفوة – وهو أمر حتمي في حالة جماعة إدارة الأزمة – يزيد من ثقتها في نفسها واعتقاد أفرادها الجازم في حتمية نجاح البدائل التي يطرحونها.
– تميل الجماعة الصغيرة إلى تبني «مفهوم» معين تفسر من خلاله ما يدور حولها من أحداث، وقد يصل هذا المفهوم إلى درجة من الجمود تحول دون أفراد الجماعة وإدراك دلالة ما يحدث في الموقف من تغييرات واقعية .
– «الأزمة» أيا كان تعريفنا لها، وأيا كانت طبيعتها تمثل موقفا انفعاليا ضاغطا. ومن الطبيعي أن يؤثر ذلك الموقف على وظائف التفكير والذاكرة والتخطيط والحكم .
كلمة أخيرة:
في خضم ما يواجه الوطن من أزمات وتحديات؛ أملنا كبير -ولدينا الكثير من خبراء إدارة الأزمات- أن تكون إدارتنا لأزماتنا علي المستوي المتوقع مهنيا وسياسيا.