عيدان في يوم واحد

تحتفل الدولة المصرية اليوم وبصورة رسمية بعيدى ثورة 25 يناير و يوم الشرطة؛ والاحتفال الرسمى يعنى ابتهاج الدولة بهذين العيدين معا و دعوة المواطنين للمشاركة فى هذه الفرحة، وبطبيعة الحال فإن الاحتفال بمثل تلك الأعياد القومية لا يعنى التغافل عما شابها أو نجم عنها من سلبيات؛ ولكنه يعنى أن إيجابيات الحدث تفوق سلبياته، وإلا لما كان هناك مبرر للاحتفال بذكراه؛ فالدول لا تحتفى بذكرى هزائمها وإخفاقاتها؛ ولكن يبقى الأهم هو استخلاص الدروس المستفادة من كلتا المناسبتين لتحاشى السلبيات و التمسك بالإيجابيات.

لقد كان للشرطة المصرية فى 25 يناير 1952 موقف بطولى وطنى فى مواجهة جنود الاحتلال البريطاني؛ وهو الموقف الذى ينبغى أن نظل نحتفل به دون حرج؛ وخاصة ونحن نشهد استبسال رجال الشرطة اليوم فى محاربة الإرهاب. ولا يعنى ذلك الاحتفال موافقة مسبقة على كل ممارسات الشرطة المصرية عبر تاريخها. لقد شهد ذلك اليوم ملحمة تاريخية غيرت طبيعة العلاقة بين الشرطة والشعب تغييرا جذريا بعد ما يعرف بموقعة الإسماعيلية فى 25 يناير 1952 التى راح ضحيتها سته وخمسون قتيلًا وثمانون جريحًا من رجال الشرطة المصرية على يد جنود الاحتلال الإنجليزى بعد أن رفض فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية فى حكومة الوفد آنذاك تسليم رجال الشرطة سلاحهم وإخلاء مبنى المحافظة للاحتلال الإنجليزي. آنذاك قرر رجال الشرطة المحاصرون المقاومة، والتحم الشعب مع الشرطة الصامدة.

وكان أول من حدد هذا اليوم عيدا للشرطة هو الزعيم جمال عبد الناصر أول وزير داخلية لمصر عقب ثورة 23 يوليو خلال احتفال ضباط البوليس فى يوليو سنة1954 ابتهاجا باتفاقية الجلاء.

ونشهد هذه الأيام نزاعا فريدا حول حقيقة ما جرى يوم 25 يناير 2011. هل كانت ثورة أم مؤامرة أجنبية خطط لها الأعداء لهدم الدولة؟ وهل تلك الملايين التى فاضت بها شوارع مصر وميادينها كانت تهدف إلى تدمير الدولة المصرية؟ ودون إغراق فى تفاصيل أصبحت معروفة للجميع؛ هل يتصور أحد أن دولة ما تحتفل بذكرى مؤامرة استهدفت تدميرها؟ بل وتشيد بها فى مقدمة أحدث دساتيرها؟ و تعتبر يومها يوم عيد قومي؟

غير أن السؤال الذى يظل مطروحا للعبرة واستخلاص الدروس هو ماذا جرى بعد ثورة يناير؟ لقد اندفعت الجماهير بكل الطيبة والإخلاص ترفع مطالبها المشروعة فى العيش و الحرية و العدالة الاجتماعية، ووقف العالم ينظر لحشود المصريين فى الأيام الأولى للثورة وقد انصهروا تلقائيا تحت راية تلك المطالب؛ وفى خضم الاندفاع الكثيف لتلك الجماهير انكشف وتلاشى التنظيم السياسى الوحيد القائم آنذاك، وانهارت قوى الأمن؛ ولم يعد ثمة تنظيم سياسى قوى موحد يمثل تلك الجماهير ويقودها ويضبط حركتها؛ واندفعت القوى المعادية لإثارة الفوضى ومحاولة إسقاط الدولة و إحراق مؤسساتها تماما كما حدث خلال 25 يناير 1952؛ وتدخلت القوات المسلحة من جديد للحفاظ على الدولة ولكن فى مناخ مختلف سياسيا داخليا وإقليميا و عالميا؛ وتوالت الأحداث.

ولعل اختيار ثوار يناير ليوم عيد الشرطة تحديدا لبداية الثورة، وبصرف النظر عن مقصدهم من ذلك الاختيار؛ وما أثاره ويثيره توافق التاريخين من جدل، يعد فرصة أتاحها القدر لمراجعة موقفنا من تاريخنا ورؤيتنا له والمصالحة معه. ولعلنا نستطيع أن نطرح للنقاش محاولة متواضعة لاستخلاص أهم الدروس المستفادة من الحدثين الكبيرين؛ عيد الشرطة و عيد 25 يناير:

أولا: إن القوى المعادية للدولة المصرية تضع فى مقدمة أهدافها تلويث كل جهد وطنى مصرى بحيث تصبح الأحداث الوطنية الكبرى فى تاريخنا مجرد مؤامرات وإخفاقات وهزائم: من ثورة يوليو إلى عيد الشرطة إلى حرب أكتوبر إلى ثورة يناير؛ فى محاولة لطمس الإيجابيات وتركيز الضوء على تضخيم السلبيات، مما يدفعنا إلى الخجل من تاريخنا ومن ثم يصعب علينا التحرك نحو المستقبل بل حتى مجرد رفع رؤوسنا للتطلع إليه.

ثانيا: إن نجاح أى تحرك ثورى فى بلوغ أهدافه يتوقف بالدرجة الأولى على وجود تنظيم سياسى يقود ذلك التحرك؛ وبدونه قد يتحول الزخم الثورى إلى فوضى مدمرة أو تقاتل داخلى أو يصبح مجرد صرخة فى الفضاء.

ثالثا: إن الاستسلام للتعبير التلقائى عن الغضب و الاحتجاج لا يصنع ثورة أو تغييرا حقيقيا؛ ومن ثم فإن الدعوة للإدارة الحكيمة للغضب لا تعنى بحال استسلاما لظلم أو رضا بتفريط، بل تعنى حشد الطاقات بأناة وصبر لإحداث التغيير المطلوب.

ختاما, فلنحتفل بأعيادنا دون خجل متطلعين لمستقبل أفضل. ولنرفع رؤوسنا وأيدينا بالتحية والدعاء لشهدائنا و جرحانا من ثوار يناير ومن رجال الشرطة و القوات المسلحة ولكل أسرة قدمت شهيدا أو جريحا دفاعا عن الوطن.

 

المصدر: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/634358.aspx

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *