حوار/ عمرو محمد
الدكتور قدري حفني، أحد أبرز المتخصصين في علم النفس السياسي بالعالم العربي، وواحد من أهم من درس سيكولوجية الشخصية الإسرائيلية قبل 34 عامًا، وفي حديثه لشبكة “الإسلام اليوم” يتعرض لأهم ملامح هذه الشخصية، وتحليله للشخصية اليهودية التي تختلف عن الإسرائيلية.
ود. حفني مولود في العام 1938م شغل عدة مناصب أكاديمية بجامعات ومعاهد مصر والعالم العربي، وأسس وتولى رئاسة وحدة الدراسات الاستراتيجية بجامعة عين شمس، وعمل مستشارًا لعدة مؤسسات عربية ودولية متخصصة، ومثَّل مصر في الملتقى الأوروبي العربي بإسبانيا، وشارك في مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991م بجانب مشاركته في العديد من الفعاليات العربية والدولية، ومعه كان الحوار:
الشخصية اليهودية
لك عدة مؤلفات حول دراسة سيكولوجية الشخصية الإسرائيلية فما ملامح هذه الشخصية؟
حين قدمت أطروحة الدكتوراة في العام 1974 تعرضتُ لسيكولوجية الشخصية الإسرائيلية أي يعني أنه مضى 34 عامًا حول دراسة هذه الشخصية، مما يجعلها دراسة تاريخية جرت خلالها مياه كثيرة ومتغيرات هائلة، وقمت بجمع عدد كبير من الدراسات الميدانية التي أُجريت على هذه الشخصية، وأعدت تحليل النتائج، وخلصت إلى نتائج في المقابل، ووجه التساؤل السابق لي على مدى السنوات السابقة كلها.
ولاحظت أيضًا أن الإسرائيليين من حملة “جوازات السفر” من الناحية النفسية، يبدو انتماؤهم إلى قوميات عدة، وتحديدًا مَن يحملون جواز السفر الإسرائيلي، وما يقرب من ربعهم فلسطينيون عرب، يحملون الهوية الإسرائيلية، ولكنهم في النهاية عرب، ويكون غيرهم من أصول أوروبية أو غيرها.
وهنا نتحدث عن المزاج وليس الولاء، فهناك أنماط عديدة من التنوع داخل إسرائيل، وحقيقةً حينما أقدم هذه الإجابة تظهر ملامح الإحباط لدى البعض، ولكنها الحقيقة.
وهل حرصت على تحليل الشخصية اليهودية التي تختلف عن الإسرائيلية؟
الصورة النمطية لليهودي صورة مصنوعة، صنع قسم منها الغرب المعادي لليهود، فاليهود كما يرى “هتلر” أشخاص أشرار بالطبيعة، وبحكم الميلاد، والنصف الآخر من الصورة صنعتها الصهيونية في أن اليهود هم الذين تعرضوا لعذاب لم يشهده بشر، وأنهم أنقياءٌ وأتقياء.
والصورتان متعادلتان من حيث التطرف، ومن حيث مجافاة العلم، فلا يوجد شعب كله من الأطهار والعكس، والتاريخ لم يعرف ذلك، وهذه من سنن الله تعالى في كونه.
هل لاحظتَ تطورًا في شخصية الإسرائيلي حاليًّا بعد 34 عامًا من دراستك لنفس الشخصية؟
هناك تحوُّل كبير، فنحن الآن نجد صحوةً جديدة لتحليل الشخصية الإسرائيلية على نحو ما نراه في قصفها لغزة، أو انتهاك حقوق الفلسطينيين، حينما تصدر أصوات تعقب على ذلك، بأن تحليلات هذه الشخصية لم تخطئ عندما ذهبت إلى أنها شخصية متطرفة، لا تحترم ذمةً أو عهدًا.
ولكن في مقابل ذلك، ينسى أصحاب هذا الاتجاه “راسيل خوري” التي سبق أن دفعت حياتها ثمن وقوفها أمام جرافة إسرائيلية، كانت تعتزم هدم بيت فلسطيني، على الرغم من أنها لم تكن في السلطة، ولكنها كانت تنتمي إلى الدين اليهودي.
كراهية السلام
ولكننا على مدى التاريخ ومنذ إنشاء دولة الاحتلال المزعومة منذ 60 عامًا لم نجد منها سوى الشرّ.. فما تحليلك لهذا الأمر؟
أظن أن 60 عامًا ليست بالمدة الطويلة، والقول إننا لم نشهد سوى الشر، فإننا ننظر بذلك إلى السلطة الحاكمة، حيث شهدنا مظاهراتٍ في داخل إسرائيل احتجاجًا على ممارساتها في الضفة والقطاع.
وأرى أننا كمثقفين عرب لم ننجح، لأن التحدي أمامنا صعب للغاية؛ فالسلطة في إسرائيل تدفعنا دفعًا إلى كراهية وتدمير السلام، وتجعل من مهمة الدفاع عن السلام مهمةً بالغة الصعوبة، حتى أصبح من الأيسر أن ندافع عن الحرب حتى لو كنا سنُهزم فيها، ولذلك فهذه السلطة تدمر ثقافة السلام.
والواقع فإنه كلما ظهرت في الأفق بادرة سلام جعلته الحكومة الإسرائيلية هشًّا، قد لا يعني شيئًا، حتى نجحت في إجهاض أي حلم للسلام في العالم العربي، مما يدفعنا للحديث عن إبادة اليهود وإسرائيل.
وهل يفهم من سياق ممارسات هذه الحكومة أو الحكومات المتعاقبة في “إسرائيل” أن الجنوح إلى الجريمة وإبادة الآخر هو في قمة تركيبة من يتولى قيادة السلطة في هذا الكيان الغاصب؟
لا أميل إلى التحليل النفسي للقادة، على الرغم من تخصصي في ذلك، فقادة إسرائيل ليس لديهم عُقد نفسية، فهم “براجماتيون”، المصلحة هي الهمّ الأول لهم، وهنا فإن السلوك الإسرائيلي كما هو واضح يقضي على أي حلم للسلام، وعلى أصحاب المصالح أن يدافعوا عن مصالحهم، إذا كانوا جادين بالفعل في تحقيق السلام، مما يوجب البحث في وسائل للضغط على إسرائيل لتحقيق هذا السلام.
لكننا وجدنا حديثًا متعاظمًا عن ثقافة السلام في العالم العربي، يحمل في طيَّاتِه تنازلات لهذا العدو الإسرائيلي، فما تعليقك على ذلك؟
هو بالفعل عدوّ، وعلى الرغم من ذلك فإن من يسلّحه هو ذاته الذي يسلح الأمة العربية، ولم يعدْ هناك تنوع في مصادر التسليح، كما كان أيام الاتحاد السوفييتي السابق، وهذا التاجر معه الميزان، وحريص على عدم سيادة السلام حتى لا يخسر تجارته.
وهنا فإن مثل هذا التاجر هو الأكثر حرصًا على عدم سيادة ثقافة السلام، حتى لا يخسر تجارته، وفي المقابل فإن ثقافة الحرب دائمًا ما تركِّز على عدم الاكتراث بالرأي العام العالمي، واعتباره خرافةً وهو نفس ما يظهر في إسرائيل بعدم المبالاة بالرأي العام.
ربما تبدو هنا إشكالية في أن العرب فقدوا أوراق الضغط على إسرائيل في انتزاع حقوقهم منها.. فأصبح خيارهم الاستراتيجي، كما يتضح في أدبياتهم الرسمية، هو السلام فما تحليلك لذلك؟
المغالطة دائمًا تأتي في أوراق التفاوض، فنحن لم نفقدها، ولكننا رفضنا استخدامها، وهذا يجرُّنا إلى الحديث عن الانتصار بالتفاوض والانتصار بالحرب، وهذا الأخير يعني أن العدوّ انكسر، ووقتها يمكن أخذ الحق كاملًا، وانتزاعه بالدماء.
أما الحديث عن الانتصار بالتفاوض فيعني أن العدوّ لا يزال قائمًا، وأننا نصل إلى تسوية قد لا تحقق كل ما نريد، وهي معادلة واضحة، فلا يوجد تفاوض يؤدي إلى الحصول على كل الحقوق.
ونزعم أن في الحق العربي انتزاعًا لكل الحقوق الفلسطينية، ولكن الواقع يؤكد أن إسرائيل لن تسلم بكل ذلك، وبالتالي التفاوض يقوم على أصول يرتضيها الطرفان، وكانت هناك سيناء نموذجًا للتفاوض المشار إليه.
واليوم يدور حديث عن الجرائم الإسرائيلية مقابل فقدان العرب أوراق التفاوض، وهنا يظهر أن ثقافة الحرب تروِّج لفكرة أنه لا يمكن الحصول في مجال التفاوض على أكثر مما هو في ميدان القتال، وهو الرأي الذي يجانبه الصواب كثيرًا.
صدمة السادات
وما قراءتُك للحالة التي ظهر بها الرئيس الراحل أنور السادات في زيارته للقدس على الرغم من أنه كان منتصرًا في حرب أكتوبر وكانت معه أوراق عدة للتفاوض أبرزها الانتصار العسكري؟
صدمتني هذه الزيارة شأن كل أبناء جيلي، ولكن مع ذلك علينا أن نقرأ الشارع في إسرائيل وقتها، حيث أُصيب بصدمة كبيرة بهذه الزيارة لأنه كان معبأً ضد مصر، بعد هزيمة إسرائيل في أكتوبر.
ومن خلال رصد تأثير هذه الزيارة في الشارع الإسرائيلي، نجد أن قوى السلام في إسرائيل انتعشت، وظهر حديث عن أسباب التمييز ضد العرب وعدم سيادة العدل الاجتماعي.
على الرغم من أن مصر لم تكن لها أجندة خاصة في مؤتمر مدريد العام 1991 إلا أنها كانت حريصة على تشكيل وفد كبير لها، وكنت من بين أعضائه، فما الحاجة الملحة لمصر آنذاك للمشاركة في هذا المؤتمر؟
أذكر أن هذا الوفد على الرغم من أنه لم تكن لديه قضية مصرية، إلا أن الهدف كان مساندة المفاوض الفلسطيني، وأذكر عندما التقى بنا الرئيس حسني مبارك قبل السفر، كانت تكليفاته لنا مساندة الفلسطينيين.
المصدر: http://www.islamtoday.net/nawafeth/artshow-89-123389.htm